search person
close

مكسيم شعيا يستعيد ذكرى كسره لرقمٍ قياسي تزامناً مع اليوم العالمي لغينيس للأرقام القياسية

من قبل Hassan Ibrahim
نشر

يُقال بأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فكيف برحلة 3600 ميلٍ بحريٍ خاضها المغامر اللبناني مكسيم شعيا. ابن بيروت، الذي يبلغ الآن من العمر 57 عاماً، كسر الرقم القياسي لأول فريق مؤلف من ثلاثة يعبر أي محيط تجديفاً في رحلةٍ امتدت لـ 57 يوماً و15 ساعة و49 دقيقة.

كان قلب مكسيم معلقاً بالرياضة منذ الصغر، لكن ظروف السفر والدراسة والعمل أبعدته عن شغفه الذي يحب. إلا أن عودته الى لبنان، أعادت حنينه لذكريات الماضي وعلاقته الوطيدة مع الطبيعة والرياضة. حيث تخطى شعيا محطات مع العديد من أنواع الرياضة، مثل السكواش والهوكي والكرة الطائرة والركض والسباحة والتزلج، إلى أن بلغ ذروة مشواره في مغامرات الجبال، فحقق انجازات عديدة أهمها بلوغه القمم السبع الأعلى في العالم بينها قمة إيفرست عام 2006 واجتيازه القطبين الشمالي والجنوبي على مزلاجين عام 2009.


وواجه شعيا خلال مشواره في تسلق الجبال مخاطراً كثيرة، إلا أن أصعبها كان مشهد المغامر الانجليزي دايفيد شارب وهو يحتضر في طريق النزول. وقال شعيا: ''لقد رأيته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، أدركت حينها أن مخزونه من الأكسجين قد انتهى. لقد باءت كل محاولاتي لمساعدته بالفشل على ارتفاع ثمانية آلاف متر. لا أزال أذكر تفاصيل ذلك اليوم بدقّة، لقد شهدنا الكثير من الجثث المتجلدة في طريقنا، وقد تحول الجبل الى مقبرتها الأبدية، كما أن الكثير من زملائي فقدوا بعض أصابعهم أو أحد أطرافهم. غير أن صورة دايفيد شارب لن تفارقني ما حييت".

شكلت كلُ تلك المحطات الفارقة في حياة شعيا إنساناً مجبولاً من أمل، فأصبح قلبه موطناً من الخبرات الإنسانية المتراكمة، مليئاً بالطموح وأكثر رغبةً بالتحدي. 


فشكل فريقاً مؤلفاً من ثلاثة مغامرين أطلق عليه. اسم tRIO نسبة إلى "Team Rowing the Indian Ocean – فريق التجديف عبر المحيط الهندي" ليحقق الثلاثي بعدها رقماً قياسياً في غينيس للأرقام القياسية، حازوا من خلاله على اعترافٍ رسميٍ دولي بإنجازهم الغير مسبوق.

ولأن الضفاف البعيدة تبدو أقرب عندما تطأها طموحات المغامرين، وقف شعيا بوجهه المكحّل بسُمرة الشرق على ضفاف أستراليا الغربية وتحديداً عند ساحل مدينة "جيرالدتون"، في يونيو من العام 2013، ناظراً إلى الأفق البعيد موقناً بأن للطريق نهاية.


عايش شعيا الطريق بكل جغرافيته المتغيرة، هائماً على ظهر مركبٍ بلا محرّك، رفقة كلٍ من مخرج الأفلام الوثائقية البريطاني ستيورات كيرشو وصديقه ليفار نيستد من جزر فارو الدانيماركية. طريقٌ سيكون عليهم فيه اجتياز المحيط الهندي حتى جزر موريتيوس قبالة الساحل الشرقي لأفريقيا، على متن زورقٍ طوله لا يتعدى الـ 8,8 متر (نحو 29 قدماً) مجهّز بأحدث التقنيات لضمان سلامة الطاقم لا سيما من تقلبات الطبيعة والمناخ في المحيط.


بمركبٍ مرصوفٍ بأنواع من الطعام والفواكه المجففة والمكسرات والشوكولاته، رفع الثلاثي مرساة مركبهم مستعدين لدورات تجديف تناوبية تمتد على مدار 14 ساعةٍ يومياً. حيث حاول الطاقم الحصول على فترات نوم وراحة قليلة وذلك مداورة ضمن مساحة رطبة وضيقة وغير مريحة. وقال شعيا: "استطعنا حمل مخصصات غذائية تكفي لمدّ كل منا بنحو 5000 سعرة حرارية يومياً، إلا أننا كنا نحرق ما بين 7 آلاف إلى 8 آلافِ سعرةٍ حراريةٍ بشكل يومي. لم


يكن بالإمكان حمل كميات أكبر من الطعام، فقد خصصنا الأماكن الأخرى لباقي المستلزمات من المعدات وغيرها. لقد خسرت شخصياً أكثر من 14 كلغ من وزني مع نهاية الرحلة".

وفي معرض حديثه عن جدوله اليومي على القارب، قال شعيا: "كنا نتناوب على التجديف 14 ساعةً يومياً، فيما نخصص معظم الوقت الباقي للنوم أملاً في استعادة ما فقدنا من طاقة. لا شك بأننا كنا نأكل مخصصاتنا من الطعام طوال اليوم لضمان امداد أجسادنا بكمٍ كافٍ من السكريات والدهون. ولم نغفل عن التقاط الصور لجملة من المشاهد البانورامية الخلابة التي مررنا بها على مدار الطريق خاصة في أوقات شروق وغروب الشمس. لقد كانت ذكرياتٍ لا تنسى".

وأضاف شعيا: "أصبنا بدوار البحر مراتٍ عدّة، وقد كان شعوراً غريباً لا يمكن وصفه. أحسست في تلك اللحظات أنني لست بحاجة إلا لشيء واحد، لم يكن ذلك الشيء هو الطعام أو النوم، ولكن أن يكفّ القارب عن الارتجاج، وهذا ما كان مستحيلاً بالطبع. أضف إلى أن قاربنا المتواضع واجه العديد من العواصف خلال هذه الرحلة الشاقة، وقد نجونا من بعضها بأعجوبة".


وكان شعيا قد أصدر سابقاً كتابه الأول بعنوان "أحلام شاهقة: رحلتي إلى أعلى قمة في العالم" الذي وضعه بالتعاون مع ريتشارد باسكن، أحد الكتّاب ذو المنشورات الأكثر مبيعاً بحسب صحيفة نيويورك تايمز. يزخر هذا الكتاب الذي أقرب ما يكون إلى موسوعة صوريّة بأكثر من 700 صورة آسرة، لا بل مهيبة أحياناً،إضافة إلى رواية مفصّلة عن رحلات شعيا إلى زوايا الأرض الأربع، وعن الأحاسيس التي ولّدتها لديه، من أعماق اليأس إلى نشوة الانتصار. أهدى شعيا كتابه "إلى شباب لبنان"، آملاً أن ينمّي فيهم إرادة مواجهة تحدّياتهم الشخصيّة وتسلّق قمم حياتهم الخاصّة.

واختتم شعيا: "لا زال القلب شاباً ومليئاً بالشغف لمزيدٍ من المغامرات. دعوتي الأولى كانت ولا تزال هي كسر حاجز الخوف والسعي إلى التميز، فكلٌ منا قادرٌ أن يكون الأفضل في مجالٍ معين".