سعيد هويدي يحقق أكبر لوحة من الخيوط والمسامير في العالم

"أن تصنع كل شيء من لا شيء!" كلمات استخدمها الشاب العراقي سعيد هويدي ليصف إنجازه العالمي الذي وثقته للتو غينيس للأرقام القياسية.

شكّل هويدي، صاحب السبعة والعشرين عاماً، صورة أخاذة لملهمة عربية متقبلة لمرض البهاق باستخدام خيوط ومسامير فقط ليحقق بذلك إنجازاً جديداً لأكبر عمل فني بالخيط والمسمار في العالم.

حيث اشترطت غينيس للأرقام القياسية معايير صارمة لاعتماد هذا الرقم القياسي أبرزها استخدام خيط متصل واحد ليشكل الصورة المطلوبة التي بلغت أبعادها 6.3 متر مربع (نحو 67 قدم مربعة و20 إنش).

وشكلت اللوحة خمسمائة مسمار و6637 متر من الخيوط، أي ما يفوق ارتفاع جبل كليمنجارو الشهير في افريقيا أو 8 مرات من طول برج خليفة الأشهر في دبي. وتزينت اللوحة بملامح وجهٍ أخاذ للمؤثرة العربية لجينة صلاح، المرأة المصرية التي تنشاد برفع الوعي حول مرض البهاق عربياً، واليوم عالمياً.

ويعكس العمل الفني تناسب اللونين الأبيض والأسود كإشارة إلى درجات الألوان لدى مرضى البهاق. حيث استفاد الفنان العراقي من الضوء الذي يتخلل الخيوط وينعكس على الخلفية لإيضاح ملامح لجينة ويرسل رسالة سامية إلى مجتمع مرضى البهاق حول العالم.

من جهتها عبرت لجينة صلاح عن سعادة بالغة لاستخدام الفنان سعيد هويدي صورتها كأيقونة لعمل عالمي كهذا سيساهم في رفع الوعي حول جمال مرضى البهاق في أنحاء العالم. وقالت بأن بدأت حياتها بالمعاناة مع مرض الصدفية ثم تبعها البهاق إلا أنها حولت هذه الأمراض إلى أيقونة جمالية فريدة وغيرت حياتها للأفضل.

سعيد هويدي أثناء رسم أكبر لوحة من الخيوط والمسامير

وتقول صلاح: "كل موضوع يمس حياة فئة من المجتمع ولا يتم تسليط الضوء عليه هو موضوع مخيف بالنسبة لي. لقد حاربت نظرة المجتمع لأكثر من 15 عاماً، واليوم لا يزيدني فخراً عن وضع صورتي على عمل فني حقق لقب غينيس للأرقام القياسية إلا مسؤولية لأكون رسالة قوة لكل من يعانون من هذا المرض. رسالتي لكم، أنكم مختلفون بشكل جميل وأنكم لستم نسخاً مكررة، لذا تقبولوا ذواتكم واخرجوا للحياة بأبها صورها".

وتضيف: "هذا العمل الفني من سعيد ترجم رسالة مرضى البهاق دون كلمات، إلا أنه سيحدث صخباً أكبر أي كلام يمكن أن تقوله في هذا المجال".

صور للجينة صلاح

هويدي لم يكن يوماً رساماً، ولم يحظى بالموهبة الصرفة لبلوغ هذا الحلم، إلا أنه يؤمن بمفهوم الممارسة حتى التفوق. ويقول: "مع الممارسة يصبح الإنسان أكثر قدرة على قراءة صور الوجه بأبعاد الظل والضوء. لم أكن رساماً لأبدأ في هذا المجال، وهذا ما يعطيك مثالاً واضحاً بأن الممارسة تنجب الإتقان، والاتقان بدوره ينجب الموهبة".

وتطلب العمل على الصورة 16 ساعة، إلا أن هذا الوقت أسرع من المعدل المطلوب بكثير حيث تتطلب لوحات مشابهة ما يفوق الـ40 ساعة عمل لإنجازها. ويعلل هويدي ذلك بالقول: "لكل صورة مرآة وجه مختلفة، وهو ما يجعل تناسق الظل والضوء فيها المحدد الرئيسي لكمية الجهد المطلوب. الفيلوغرافيا فن مختلف عن الرسم التقليدي فهو يعتمد على مستوى دخول الضوء وانعكاسه على الخلفية وهذا ما يحدد عدد الطبقات المطلوب إضافتها في كل إنش من العمل الفني".

ويضيف هويدي: "الفكرة كانت أن تصنع كل شيء من لا شيء. كل ما لديك هو خيوط ومسامير ولوح خشبي لا قيمة لها، لذا فأن تساهم في إيصال هذه الرسالة السامية التي تقودها لجينة صلاح في العالم العربي وأن توثق هذا الإنجاز عالمياً عبر غينيس للأرقام القياسية بدا ضرباً من المستحيل في البداية. كل خطوة في هذا الإنجاز حفّها الشغف، وهذا ما يجعلنا جميعاً اليوم أمام هذا الإنجاز العملاق".

كانت مواجهة سعيد الأولى مع هذا الفن خلال زيارة إلى لبنان لحضور ورشة عمل في التنمية البشرية وقد اقتنى على اثرها عملاً فنياً فيلوغرافياً لشعار مؤسسة. وبعد عودته إلى العراق أطال التأمل في هذا العمل وبدأ مشواره بمحاولة تثبيت بعض المسامير وكتابة بعض الأسماء ومحاولة رسم شعارات لشركات محلية وعالمية.

إلا أن عمل سعيد تطور كثيراً إلى أن امتلك اليوم ورشة مختصة في هذا الفن، ويسعى لتعليمه عملياً. كما أنه يعمل على صياغة منهج متكامل ليساهم في تعليم من يحبون هذا الفن في العراق وخارجه.

وبحسب هويدي، فإن هذا الفن يعتمد على الرياضيات أكثر من اعتماده على الرسم. ويقول مازحاً: "إن كنت تبحث عن الجانب الممتع من الرياضيات، فيسعدني اخبارك بأنك وجدته اليوم!"

صورة قريبة لأكبر لوحة من الخيوط والمسامير

واستخدم سعيد خطوطاً مستوية تماماً في إتمام هذا العمل، بمعنى أنه تجنب ربط الخيوط بحيث تكون عشوائية في انحناءاتها، وهو ما يمنح العمل دقة متناهية في النتيجة النهائية ولا يعتمد على العشوائية في ملء المساحات الفارغة.

ويعمل الفنان العراقي حالياً على إنشاء نصب فيلوغرافي ثلاثي الأبعاد مستخدمها المسامير والأسلاك المعدنية ويقول بأن نجاح مشروعه الأول من هذا النوع سيشكل قفزة عملاقة لهذا الفن عربياً وعالمياً. حيث سيتطلب الموضوع دراسة أكثر تعمقاً من الرياضيات والرسم وحدهما، ليتخطى بذلك الظروف البيئية والجغرافية التي يتم نصب هذه الصروح الفيلوغرافية فيها. وقد تمثل هذه الصروح في المستقبل "منشآت فنية" على حد تعبيره لجسور وحدائق وغيرها.

الفنان العراقي سعيد هويدي امام لوحة من الخيوط والمسامير

ويقول: "فشلت أكثر من 100 مرة عندما بدأت، ولا أعرف السبب الذي جعلني أستمر حقاً، فقد وصلت إلى كثير من الطرق المسدودة. إلا أنني اليوم وبعد أن حققت لقب غينيس للأرقام القياسية تغيرت كثيراً وأصبح لدي سبب لأطمح للمزيد. سأعود لتحقيق أرقام قياسية أخرى في هذا المجال".

واستخدم سعيد خيوط البريسم المعروفة وتعمد استخدام الأسود منها ليتمكن من التحكم في مستويات الضوء والظل المنعكسة على الخلفية البيضاء للعمل الفني. إلا أنه يجد صعوبة في إيجاد هذه الخيوط والمسامير داخل العراق، ما يدفعه لشرائها بكميات قادمة من تركيا لإنجاز أعماله الفنية. ويصف سعيد هذا النوع من الفن بكون مرهق للغاية ولا يمكن ممارسته لفترة طويلة لكونه يتطلب لياقة بدنية عالية وتركيز مستمر. ويسعى إلى زيادة فريق عمله وتعليم المزيد من الموهوبين لدعم مسيرة هذا الفن داخل العراق وخارجه.